خطبة الجمعة 23-7-2010 بعنوان الشباب مادة الإسلام.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
أما بعد:أيها المسلمون
نحن مقبلون بعد أيام ليست ببعيدة على استقبال ضيف عزيز علينا ولا بد لنا أن نهيأ أنفسنا وأرواحنا لاستقبال هذا الضيف الكريم الذي يمر بنا ويمكث معنا شهرا كاملا وكم هو جميل أن يكون في مقدمة المستقبلين الذين سيملئون صالة الشرف الكبرى(المسجد) أخواننا الشباب الذين لبوا أمر الله تعالى بقوله ((كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون))
لذلك ستكون هذه الخطبة مخصصة لشباب الأمة حفظهم الله ورعاهم وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق عليه
مرحلة الشباب من أهم مراحل العمر ، تقوى فيها العزيمة ، وتكثر الآراء ، وتمتلئ بالحيوية والنشاط ، ولهذا من سلك منهج الله في شبابه ، وغالب هواه ونزواته ، استحق تلك الدرجة العالية المذكورة في الحديث ، وما يعين الشباب على تحقيق هذه الخصلة :
أ- طلب العلم والانشغال به .
ب- تعويد النفس على استغلال الوقت بشتى الوسائل ، كبر الوالدين ، وقضاء حوائجهما ، وقراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسيرة السلف الصالح .
ج- مصادقة الصالحين المستقيمين على منهج الله تعالى .
د- محاولة استغلال فرصة الشباب بحفظ كتاب الله تعالى أو شيء منه .
فمن الواجب على مجتمعنا الاهتمام بالشباب وتطوير إمكانياتهم وقابليتهم لأنهم الخزين الإستراتيجي للأمة وبهم تنهض الأمم لذلك على الدعاة وأولي الأمر والآباء أن يهتموا بالشباب ذكورا إناثا ويهيئوا البرامج والفرص الكافية لفهم الإسلام والحياة الإسلامية فهما صحيحا بعيد عن الغلو والتفريط ,ونحن هنا في أمريكا أعتقد يجب علينا أن نكون السباقين في هذا المضمار بسبب ما يحيط بالشاب المسلم من مغريات وفتن وعلينا أن نحتضن شبابنا ونأخذ بأيديهم الى بر الأمان وندعمهم ماديا ومعنويا بالوقوف إلى جنبهم بتطوير قابليتهم ودراسة أفكارهم ومشاركتهم في كل ما يخص المجتمع لأنهم النواة المبدعين في المجتمع,وهذا من حقهم سيما وأن القرءان الكريم قد مدحهم في أكثر من موضع منها :
-قوله تعالى في مدح الشاب نبي الله إسماعيل عليه السلام((فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إنشاء الله من الصابرين)) فجازاه الله وأكرمه ((وفديناه بذبح عظيم))..
- آيات سورة الكهف "إنَّهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم وزدناهم هدى…" .
- قصَّة يحيى عليه السلام، وبخاصَّةٍ ما ورد في سورة مريم: "وآتيناه الحكم صبيّا".
- قصَّة يوسف عليه السلام.
- قصَّة السيِّدة مريم الشابَّة الطاهرة العفيفة.
ولو رجعنا الى سير الشباب من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لوجدنا فيها الدروس والعبر واليكم بعض منها.
أخي المسلم أختي المسلمة:
حين جاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدين وصدع بدعوته في وجه قومه , استنكف أهل مكة واستكبروا , وكان منطقهم في مواجهة دعوة التوحيد {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } وفي هذا الوسط الذي أشرق بدعوة التوحيد ورفضها كان ممن بادر لمتابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض شبان الصحابة , فعدد من أسلم في أول الإسلام كان هو ممن دون سن العشرين أو فوقها بقليل .
فمن السابقين الأولين للإسلام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الذي نشأ وتربى في بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم وكلنا يعرف كيف أنه فدى النبي عليه الصلاة والسلام بحياته ونام في فراشه وكيف كانت شجاعته في بدر وخيبر وفي بقية المواطن , ومنهم ذلك الشاب الترف الناعم الذي كان يلبس الحرير مصعب بن عمير الذي كان سببا في تهيئة الهجرة إلى المدينة ونشر الإسلام فيها وعندما استشهد في أحد بكى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما أرادوا أن يغطوه ولم يكفي الغطاء فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام أجعلوه من على رأسه.ومنهم سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه
وقال رضي الله عنه " إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله ,وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول اضرب سعد فداك أبي وأمي ,والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله – رضي الله عنهما – كانا من الشباب السابقين ولا ننسى الحب بن الحب أسامة بن زيد عندما أمره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على جيش فيه كبار الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهم .
و من السابقين إلى الإسلام عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – إذ يقول عن نفسه " لقد رأيتني سادس ستة , وما على الأرض مسلم غيرنا
ولنستمع إلى قصته كما يرويها هو إذ يقول " كنت أرعى غنما لعقبة بن معيط , فمر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر , فقال " يا غلام هل من لبن ؟ " قال : قلت " نعم ولكني مؤتمن " قال : " فهل من شاة لم ينز عنها الفحل ؟ " فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى أبا بكر , ثم قال للضرع " أقلص " فقلص قال : ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله علمني من هذا القول , قال : فمسح رأسي وقال : " يرحمك الله فإنك غليم معلم " وفي رواية : أتاه أبو بكر بصخرة منقورة فاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكر وشربت , قال : ثم أتيته بعد ذلك قلت : علمني من هذا القرآن , قال : " إنك غلام معلم " , قال : فأخذت من فيه سبعين سورة .
–فكان مدعاة لأن يفوق غيره حتى يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باستقراء القرآن من أربعة , ثلاثة منهم من الشباب وهم : معاذ , وابن مسعود , وسالم – رضي الله عنهم – إذ يقول : " استقروا القرآن من أربعة : عبد الله بن مسعود فبدأ به , وسالم مولى أبي حذيفة , وأبي بن كعب , ومعاذ بن جبل " . "
ونحن اليوم إذ نشهد هذا الإقبال من الشباب على حفظ كتاب الله والمسارعة في ذلك والمسابقة فيه , نتمنى أن ينضم لذلك العناية بتدارس القرآن وفهم معانيه والقيام بحقوقه وأن لا ينجروا الى فرق التضليل والتكفير ممن يدعون انتسابهم إلى الإسلام والإسلام منهم بريء,لان الإسلام هو دين الفطرة التي فطر الناس عليها,ولا يتم لهم ذلك إلا إذا جالسوا العلماء الصادقين وأخذوا منهم مشافهة.
وها هو لقمان الحكيم يوصي ابنه يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك,
لإن طلب العلم لا غنى عنه لأي شاب يريد عبادة ربه تبارك وتعالى والاستقامة على دينه , فضلا عمن يريد الدعوة لدين الله .:
ويعطي صلى الله عليه وسلم شهادة عظيمة – وهو الذي لا ينطق عن الهوى – بأن أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام هو أحد شباب الصحابة – رضوان الله عليهم – ألا وهو معاذ بن جبل .
وشهادة لآخر من الشبان هو زيد بن ثابت – رضي الله عنه – فيشهد له صلى الله عليه وسلم أن أفرض الأمة . يقول صلى الله عليه وسلم : " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر , وأشدهم في أمر الله عمر , وأصدقهم حياء عثمان , وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل , وأفرضهم زيد بن ثابت , وأقرؤهم أبيّ ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح "
يقول أحد الدعاة في أمريكا دخلت مدرسة أسلامية وأردت أن أختبرهم فسألتهم هل منكم من يستطيع أن يذكر أفضل لاعب في كرة السلة؟ فإذا بهم كلهم يشتركون في الإجابة وبدئوا يعدون أسماء أشهر اللاعبين عن ظهر غيب وبسرعة متناهية,فقلت لهم هل منكم من يستطيع أن يعد لي عشرة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فسكت الجميع ثم قام واحد منهم وقال على استحياء أبو حنيفة فقلت يا ولدي هذا تابعي وهو أول من صنف بالفقه وهو ليس بصحابي,هل منكم من يعد لي الخلفاء الراشدون الكل قد سكت فعرفت كم نحن مقصرون تجاه أبناءنا وشبابنا وتجاه الدعوة إلى الله تعالى.
فمن الواجب علينا أن نقف على مشاكل الشباب ونجد لها الحلول الشرعية وبالطرق التي تبشر لا تنفركالمشكلات النفسية والعقلية والاجتماعية والتعليمية والحاجية وغيرها.
ومن هذه الاساليب:
- أن نزرع في ابنائنا وشبابنا حب النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأن يكون القدوة الحسنة لنا((لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر))وتقول ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها(كان خلقه القرءان),ويقول الامام الشافعي رحمه الله(من وعظ أخاه بفعله كان هاديا ).
- الرجولة والالتزام بالكلمة قال تعالى ((يا ايها الذين آمنو لم تقولون ما لا تفعلون)).
- بالحكمة والموعظة الحسنة قال تعالى(ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) .
- الترغيب والترهيب بما أعد الله للمؤمنين من جنات وعيون .وما أعد الله للكافرين والمذنبين من نار وحميم.
- حثهم على العمل فيما أحله الله والعمل على ايجاد فرص عمل لهم وهذه من أهم الامور التي تواجه الشاب المسلم الان بلاد الغرب بسبب المشاكل الاقتصادية.
- حثهم على التعلم والتثقف ((وقل ربي زدني علما))
- مراعات الاستعدادات الفطرية لكلا الجنسين وتثقيفهم بموجب السنة.
- اشراك الشباب في القاشات والحوار وعدم تهميشهم والاخذ باراءهم لانهم جزء مهم من المجتمع.
- وأخيرا القاء الدروس والمواعظ في السيرة وتعريفهم حياة الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين وسيرة السلف الصلح من علماء امتنا واستنباط هذه الدروس لتكون منهاج عمل وسلوك لكل شاب وشابة ,مع عمل السفرات الترويحية لهم بين وقت وحين .
اللهم أحفظ شباب المسلمين وخذ بأيديهم وجنبهم الزلل والوقوع في في أحضان الشيطان وارزقهم العفة والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وآتباع منهج السلف الصالح برحمة منك يا ارحم الراحمين.
