خطبةشهر المحرم والعام الهجري الجديد

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ,ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ,ومن سيئات أعمالنا ,من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا,وأشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله,بلغ الرسالة وأدى الامانة ونصح الامة وكشف الغمة حتى أتاه الله اليقين تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ,صلى الله عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه أجمعين, ومن سار على نهجهم الى يوم الدين ,رضوان الله تبارك وتعالى علينا وعليهم أجمعين.

قال الله تعالى(( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))فيا عباد الله :أوصيكم ونفسي المذنبة الخاطئة بتقوى الله وطاعته ولزوم أوامره وكثرة مخافته ,أطيعوا الله ورسولع لعلكم ترحمون, واعلموا أن التقوى شعار المؤمنين ودثار الصالحين ووصية الله تعالى في وفيكم أجمعين.

أما بعد:قال الله تعالى(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ))36 التوبة

يستقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها عاماً هجرياً جديداً والأمل يحدو الجميع أن تتحسن أحوال الأمة وتخرج من مآزقها ومشكلاتها التي تعيشها في زمانها الحاضر.. الهجرة وشهر المحرَّم تحمل إلينا الكثير من الدروس والآمال العريضة على المستوى الفردي والجماعي، وحول العام الهجري الجديد وإيحاءته وفضل شهر المحرَّم.ندعو الله تعالى أن يجعل عامنا الهجري عاما جديدا وقد ساد العالم الحكماء والعقلاء والصادقين من خلقه, وليتحقق الامن والامان في ربوع المعمورة, وأن يجعل الرحمة والحب والمودة بين خلقه وأحبابه إنه سميع مجيب.

عباد الله :أعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في شهر ربيع الاول وهاجر الى المدينة في ربيع الاول وتوفي في ربيع الاول,فرب سائل يسأل لماذا لم يبدأ العام من ربيع الاول ؟الجواب أن عمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم أجمعين عندما نظروا الى تأريخ الاسلام وما حققوه الى وقت سيدنا عمر بن الخطاب رض , وجدوا أن ذو الحجة هو أكتمال الدين لكل مسلم فأعتبروه آخر شهر من الاشهر, وأول شهر هو المحرم .وأن الهجرة كانت بداية خير ونصر للمسلمين، حيث انتقلوا فيها من الذل إلى العز، ومن القلة إلى الكثرة، ومن الضعف إلى القوة، ومن الفرقة والتشرذم الى الوحدة ,ومن الحقد الى المحبة والاخوة في الله.لذلك سمي بالعام الهجري.

وقوله عز وجل إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً هي: المحرم، وصفر، وربيع الأول، وربيع الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة،فحري بنا نحن المسلمون أن نعرف هذه الشهور. وهذه شهور السنة القمرية التي هي مبنية على سير القمر في المنازل وهي شهور العرب التي يعتد بها المسلمون في صيامهم ومواقيت حجهم وأعيادهم وسائر أمورهم وأحكامهم وأيام هذه الشهور ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوما, والسنة الشمسية عبارة عن دور الشمس في الفلك دورة تامة وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم فتنقص السنة الهلالية عن السنة الشمسية عشرة أيام فبسبب هذا النقصان تدور السنة الهلالية فيقع الحج والصوم تارة في الشتاء وتارة في الصيف .قال تعالى ((والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ,والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )) 38و39يس.

فقضاه الله سبحانه وتعالى يوم خلق السموات والأرض أن السنة اثنا عشر شهرا مِنْها يعني من الشهور أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ وهي رجب فرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متوالية وإنما سميت حرما لأن العرب في الجاهلية كانت تعظمها وتحرم فيها القتال والظلم حتى لو أن أحدهم لقي قاتل أبيه وابنه وأخيه في هذه الأربعة الأشهر لم يهجه ولما جاء الإسلام لم يزدها إلا حرمة وتعظيما ولأن الحسنات والطاعات فيها تتضاعف وكذلك السيئات أيضا أشد من غيرها فلا يجوز انتهاك حرمة الأشهر الحرم ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعني ذلك الحساب المستقيم والعدد الصحيح المستوي فالدين هنا بمعنى الحساب ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: الكيس من دان نفسه. يعني: حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت. وقيل: أراد بالدين القيم الحكم الذي لا يغير ولا يبدل.

قال القرطبي:أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَضَعَ هَذِهِ الشُّهُورَ وَسَمَّاهَا بِأَسْمَائِهَا عَلَى ما رتبها عليه يوم خلق السموات وَالْأَرْضَ، وَأَنْزَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ.

أيها الاخوة المسلمون :
فإن شهر الله المحرم من الأشهر الحرم قال القرطبي رحمه الله : خص الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وإن كان منهياً عنه في كل الزمان,
واعلموا ان الظلم حرام في كل وقت وحين ويكون أشد حرمة في هذه الاشهر لذلك قال تعالى((فلا تظلموا فيهن أنفسكم))

قال القشيري :الظلم على النّفس أن يجعل العبد زمامه بيد شهواته، فتورده مواطن الهلاك.
فعلينا – أيها الاخوة – استغلال أيام هذا الشهر ولياليه بالأعمال الصالحة من صيام نهاره وقيام ليله , والاكثار من الصدقات والنفقات وتأليف القلوب ونبذ الخلافات وتوطيد أواصر الاخوة والمحبة في الله,أخرج النسائي من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الليل خير , وأي الأشهر أفضل؟ فقال: (خير الليل جوفه، وأفضل الأشهر شهر الله الذي تدعونه المحرم).
وفي هذا الشهر يوم عاشوراء , ويحتاج الى خطبة خاصة إن شاء الله تعالى , فيما نستقبل من أيامنا .

وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولسائر المسلمين أجمعين.

بارك الله فيك