قال أحد الحكماء: إن كل شيء في العالم الكبير له نظير في العالم الصغير الذي هو بدن الإنسان ولذلك قال تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } وقال : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون } فحواس الإنسان أشرف من الكواكب المضيئة والسمع والبصر منها بمنزلة الشمس والقمر في إدراك المدركات بها وأعضاؤه تصير عند البلى ترابا من جنس الأرض وفيه من جنس الماء العرق وسائر رطوبات البدن ومن جنس الهواء فيه الروح والنفس ومن جنس النار فيه المرة الصفراء وعروقه بمنزلة الأنهار في الأرض وكبده بمنزلة العيون التي تستمد منها الأنهار لأن العروق تستمد من الكبد ومثانته بمنزلة البحر لانصباب ما في أوعية البدن إليها كما تنصب الأنهار إلى البحر وعظامه بمنزلة الجبال التي هي أوتاد الأرض وأعضاؤه كالأشجار فكما أن لكل شجر ورقا أو ثمرا فكذلك لكل عضو فعل أو أثر والشعر على البدن بمنزلة النبات والحشيش على الأرض ثم إن الإنسان يحكي بلسانه كل صوت حيوان ويحاكي بأعضائه صنيع كل حيوان فهو العالم الصغير مع العالم الكبير مخلوق محدث لصانع واحد لا إله إلا هو